demo-attachment-22-stuart-frisby-1552696-unsplash

في ضوء القمر

كانت المدينة في قلب الليل، يغمرها ضوء القمر الفضي، الذي تناثر على الشوارع الضيقة كحبات لؤلؤ متناثرة فوق بحر هادئ. بدا كل شيء ساكناً، لكن في قلب هذه الهدوء كانت هناك قصة لم تكتمل بعد، بطلها شخص لا يشبه الآخرين.

آدم، شاب في منتصف العشرينات من عمره، كان يقطن في حي صغير، حيث لم يكن هنالك ما يميز هذا المكان سوى صمته التام. في هذا الحي، كان يشعر آدم بأنه لا ينتمي إلى أي شيء؛ إلى الأشخاص، أو حتى الأماكن. كان دائمًا يحاول أن يجد مكانًا له، في هذا العالم الكبير الذي يبدو أنه مليء بالمجالات المتاحة للجميع، إلا له.

في تلك الليلة، خرج آدم من شقته الصغيرة في الطابق الثالث لأحد المباني القديمة، حيث كان يسير ببطء على الرصيف المتعرج، الذي يعكس الضوء الباهت من مصابيح الشوارع. كانت خطواته تتناغم مع الهدوء، وعيناه تتنقلان بين الزوايا المظلمة التي كانت تحيط به. ولكن كان هناك شيء مختلف في تلك الليلة، شيء غريب يشده للذهاب أبعد مما اعتاد عليه.

على الرغم من سكون الليل، كان يشعر بشيء يشده، شيء بعيد لكنه قريب في نفس الوقت. هل هو شعور بالوحدة؟ أم هو شيء آخر؟ فكر آدم وهو يرفع رأسه فجأة ليشاهد القمر الذي كان يضيء السماء بالكامل، وكأنه يقول له: “لن تكون وحدك.”

حرك رأسه في تلك اللحظة، وعينيه تركز على نقطة بعيدة في الأفق. مرَّ أمامه شخص غريب، كان يلبس معطفاً طويلاً، يلمع تحت ضوء القمر. لم يكن هناك شيء عادي في هذا الشخص؛ حركته كانت هادئة جدًا، كما لو كان يمشي مع الرياح، وكانه جزء من المكان، أو ربما جزء من الحلم.

تابع آدم سيره، ولكن هذا الشخص لم يخرج من تفكيره. تساءل: “من هو؟ ولماذا بدا مألوفًا؟” شعر أنه كان يعرفه، رغم أنه لم يره من قبل.

وفي تلك اللحظة، توقف الرجل فجأة أمام نافذة أحد المنازل القديمة. نظر إلى الداخل، وعينيه تتأملان المكان، ثم نظر إلى الأعلى حيث كان القمر يملأ السماء. بدأ يتحرك ببطء وكأنما ينتظر شيئًا، ولفترة طويلة، ظل هكذا في صمت، بينما كان آدم يراقب عن كثب.

فجأة، التفت الرجل وأصبح يواجه آدم مباشرة. كانت عيناه تلمعان في الظلام، كما لو كانا يريان ما لا يراه غيره. قال الرجل بصوت منخفض ولكن واضح: “أنت، هل تشعر بما أشعر به؟”

ارتبك آدم للحظة، وتفاجأ من هذا السؤال الذي لم يتوقعه. لكن قبل أن يتمكن من الرد، قال الرجل مرة أخرى: “أنت لست وحدك في هذا العالم، ولكنك قد تكون الوحيد الذي يراه كما هو.”

أصبح الجو أكثر برودة، وكأن الكلمات التي نطق بها الرجل قد أثرت في الجو من حولهم. فكر آدم في تلك الكلمات، بينما كانت الرياح تعصف بالأشجار المتناثرة في الزوايا.

“ماذا تعني بذلك؟” سأل آدم، بصوت خافت. لم يكن متأكدًا من إذا كان يجب عليه متابعة الحديث أم أن السكوت سيكون أكثر حكمة.

ابتسم الرجل ابتسامة خفيفة، وكأنه كان ينتظر هذا السؤال، وقال: “نحن جميعًا ضائعون في هذا العالم، ولكن هناك من يملك القدرة على رؤية الحقيقة، وليس الحقيقة التي تعني أن هناك شيئًا مخفيًا، بل الحقيقة التي ترى من خلال قلبك، تلك التي لا يراها الآخرون.”

نظر آدم إلى الرجل بغموض، لا يزال غير قادر على تفسير الكلمات التي سمعها. كان يشعر وكأن هذا الشخص يأتي من عالم آخر، من مكان مختلف تمامًا.

“أنت لا تفهم بعد، ولكنك ستفهم قريبًا. قد تتساءل عن سبب وجودك هنا، في هذا المكان، في هذا الوقت. لكن في النهاية، كل شيء يحدث لسبب.” قال الرجل، ثم بدأ يبتعد.

نظر آدم خلفه، وكان يتمنى أن يسأل المزيد، أن يستوضح أكثر، ولكن الرجل اختفى بين الظلال في زاوية الشارع، كما لو كان جزءًا من الحلم الذي لا يمكن الإمساك به.

عاد آدم إلى شقته وهو في حالة من الارتباك والتساؤل. هل كان هذا الشخص مجرد شخص عابر؟ أم كان هنالك شيء أكبر من ذلك؟

لم يكن متأكدًا مما إذا كانت تلك الليلة مجرد خيال، أو أنها بداية لشيء أعمق. لكنه شعر بأن شيئًا ما قد تغير فيه، كما لو أن كلمات الرجل كانت مفتاحًا لشيء لم يره بعد.

جلس آدم بجانب النافذة في شقته الصغيرة، وأغمض عينيه للحظة. تحت ضوء القمر الباهت، بدأ يشعر بشيء جديد يملأه. ربما كانت الوحدة ليست النهاية، ربما كانت مجرد بداية لرحلة غير مرئية كانت قد بدأت للتو.

فجأة، شعر أن قلبه ينبض بقوة أكبر، كأن العالم أصبح أكبر من مجرد مدينة ضيقة مليئة بالصمت. كانت تلك اللحظة لحظة من لحظات الوعي التي لا تأتي إلا مرة واحدة في العمر.

فتح عينيه، ونظر إلى القمر الذي كان يضيء السماء بكل قوته. شعر أنه ليس وحده بعد الآن.

Tags: No tags

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *